مقدمة تلخيصية
جاء عام 2020 ليُمثل صفحة جديدة مُضيئة في مسيرة السياسة الخارجية المصرية وقدرتها على التكيُف مع التحديات والظروف الاستثنائية لتستمر في الدفاع عن المصالح العليا للدولة المصرية، على الرغم مما يعصف بالبيئة الإقليمية والدولية من توترات وأحداث غير مسبوقة في وتيرتها وحدتها وتنوعها؛ وعلى رأسها تلك المرتبطة بتبعات تفشي جائحة فيروس كورونا، واستمرار تعقد المشهد الإقليمي نتيجة لتنامي التدخلات الخارجية الهدّامة في شؤون المنطقة.
فاستمرت وزارة الخارجية خلال العام الجاري في تنفيذ تكليفات القيادة السياسية إزاء التعامل مع تلك التحديات وسبل تحقيق مصالحنا الوطنية العليا، اتساقًا مع محددات الأمن القومي وصون مقدرات الدولة المصرية وخدمة لأهداف خطة التحرك الحكومي خلال المرحلة الآنية، وهو الأمر الذي استدعى تحركات دبلوماسية فاعلة في أدواتها ومستهدفاتها، وذلك في إطار من التنسيق وتكامل الرؤى والأدوار مع مؤسسات وجهات الدولة المختلفة.
وكان من بين أبرز نجاحات الدولة المصرية خلال عام 2020 هو تعاملها الناجح مع أزمة المصريين العالقين بالخارج، فجاءت مشاركة وزارة الخارجية في اجتماعات اللجنة الوزارية العليا التي تم تشكيلها لإدارة الأزمة برئاسة السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء، ثُم رئاسة وزارة الخارجية للجنة الوطنية المعنية بأزمة المواطنين العالقين بالخارج، حيث قامت الوزارة بدور محوري في التعامل مع الأزمة في مختلف مراحلها، كما بذلت بعثاتنا في الخارج جهودًا مُضنية مع الجهات المعنية بدول الاعتماد لضمان توفير أقصى سبل الرعاية الممكنة للمواطنين العالقين بالخارج والسماح بتمديد تأشيرات الإقامة الخاصة بهم على إثر تعليق حركة الطيران الدولي، فضلا عن التواصل على مدار الساعة مع المواطنين العالقين وكذا المساهمة في تنسيق التعاون المُقدر من جانب الجاليات المصرية المقيمة مع أشقائهم من العالقين.
هذا، وبالفعل واصلت وزارة الخارجية أيضًا تحركاتها النشطة عبر دوائر السياسة الخارجية المصرية على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، فشهد هذا العام تكثيفًا للتشاور والتنسيق مع الأشقاء العرب لدعم مجالات التعاون في القطاعات ذات الأولوية فضلاً عن تعزيز آليات العمل العربي المشترك في مواجهة مختلف التحديات التي تشهدها المنطقة؛ بما في ذلك تجاه التطورات في سوريا، وسبل دعم لبنان الشقيق في أزمته الحالية، وكيفية تسوية الأزمة اليمنية المُمتدة ومساندة السودان الشقيق خلال المرحلة الراهنة. كما واصلت القاهرة مساعيها لدعم القضية الفلسطينية ومساندة الشعب الفلسطيني الشقيق والاستمرار في جهود تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية المنشودة.
كما شهد العام الجاري تحركات مُكثفة للدولة المصرية مثّلت نقطة تحول فارقة في مسار الأزمة الليبية، وذلك عبر “إعلان القاهرة” الذي أعاد لُحمة معسكر الشرق الليبي، وكان بمثابة دعوة صريحة للتمسك بالحل السياسي للأزمة ووقف العمليات والتصعيد العسكري، وهو ما أكد عليه السيد رئيس الجمهورية خلال خطابه في قاعدة “سيدي براني” العسكرية يوم 20/6/2020 الذي تضمن تحديد الخط الأحمر المصري (سرت/الجفرة) داخل ليبيا، الأمر الذي أعقبه قيام مصر بتكثيف الاتصالات والاجتماعات مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية للبناء على المساعي المصرية، وكذلك مع العديد من الأطراف الليبية لحثهم على العودة للمسار التفاوضي من أجل التوصل لتسوية شاملة للأزمة الليبية والتصدي لكافة أشكال التدخلات الخارجية الهدّامة بها.
من جانب آخر، حرصت وزارة الخارجية على تعزيز أوجه التعاون مع الأشقاء الأفارقة عبر دفع مجالات التعاون سواء على المستوي الثنائي أو عبر الآليات المختلفة للاتحاد الأفريقي والمنظمات والتجمعات الأفريقية الأخرى. وفضلاً عن ذلك، استمرت وزارة الخارجية، بالتنسيق مع الجهات الوطنية المعنية، في الجهود الرامية إلى الحفاظ على مصالحنا المائية، وزيادة الوعي الدولي بالوضع المائي المصري والتحديات التي تواجه مصر في هذا المجال، بما في ذلك عرض الموقف المصري من ملف سد النهضة الإثيوبي والاستمرار في التواصل مع الفاعلين الدوليين والانخراط لدفع المسار التفاوضي بهدف الوصول إلى حل عادل ومتوازن يحقق مصالح كل من مصر وأثيوبيا والسودان.
وعلى الرغم من الظرف الدولي الحالي الدقيق، فقد نجحت وزارة الخارجية في تحقيق نجاحات هامة في علاقات مصر بعدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وأهم الفاعلين الدوليين؛ كان من أبرزها، على سبيل المثال، التوقيع على اتفاق تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة مع اليونان، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بالدولتين بالارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية والاستفادة من موارد النفط واكتشافات الغاز الواعدة، وكذلك التوقيع على اتفاق المشاركة المصرية البريطانية لتنظيم العلاقات بين الجانبين في شتى المجالات عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن المساهمة في الإعداد لعملية التوقيع الرسمي والنهائي على ميثاق إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، بالتنسيق مع وزارة البترول والثروة المعدنية، وبما يعكس تنوع التحرك الدبلوماسي المصري خلال عام 2020 وشموليته ليشمل ليس فقط دفع مناحي العلاقات السياسية وإنما أيضًا تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي والترويج لمختلف المواقف المصرية.
وقد حرصت وزارة الخارجية كذلك على الاستمرار في التفاعل الجاد والنشط مع الشركاء الدوليين والأطر والمحافل الإقليمية والدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وذلك من أجل توضيح سياساتنا ومواقفنا الوطنية من قضايا حقوق الإنسان، والدفع بمبادرات تُعبر عن مصالح مصر الوطنية وتتسق مع أجندة وأولويات الدول النامية والأفريقية على الساحة الدولية، كما أولت الوزارة اهتمامًا خاصًا بتعزيز التكاتف الدولي من أجل تخفيف التبعات السلبية لجائحة كورونا على الدول النامية والفئات المستضعفة.
ومن هذا المنطلق أيضاً، وضعت وزارة الخارجية قضية مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف كإحدى أولويات التحرك الخارجي، حيث كثفت الدبلوماسية المصرية من جهودها لطرح رؤية مصر ومقاربتها الشاملة وأدواتها المتنوعة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، مع التأكيد على ضرورة المواجهة الشاملة لكافة التنظيمات الإرهابية دون استثناء، باعتبارها تمثل تهديداً مشتركاً للسلم والأمن الدوليين، والتشديد أيضاً على أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة تلك الآفة بكافة أبعادها وأسبابها ومحاسبة الدول الراعية لها وتجفيف مصادر تمويلها ومنابعها الفكرية.
ختامًا، فإنه غني عن البيان أن الدبلوماسية المصرية سوف تستمر في تحركها الدؤوب ومساعيها النشطة خلال عام 2021 انطلاقاً من ثوابت العمل الوطني واتساقًا مع مصالح الدولة المصرية وأهدافها العليا، وسعيًا نحو تحقيق مزيد من المكتسبات ومواصلة نقل حقيقة ما يتحقق على الأرض في مصر من إنجازات ضخمة غير مسبوقة، مع الالتزام بثوابت السياسة الخارجية المصرية والعمل على إيجاد حلول سلمية للنزاعات التي تشهدها المنطقة، بما في ذلك دعم جهود تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة بوصفها شرطاً ضرورياً للقضاء على جذور ومسببات الأزمات ومصادر تهديد الاستقرار الإقليمي والدولي، وذلك جنبًا إلى جنب مع توجيه البعثات المصرية للاستمرار في تقديم مختلف سبل الرعاية القنصلية للمواطنين المصريين المقيمين في الخارج، وخاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية.