سرقة 5 آلاف من أمهر الصناع المصريين إلى تركيا
العثمانيون نهبوا كل خيرات البلاد ودمروا كل مقومات الحياة
تراجع عدد سكان مصر من 9 ملايين مواطن إلى مليونين ونصف المليون مواطن فقط خلال قرنين من حكم العثمانيين
لم تشهد مصر والمصريون أياما أسوأ من الأيام التى وقعت فيها مصر تحت نير الاحتلال العثمانى البغيض فى الفترة من عام 1517 حتى عام 1798 حيث قام العثمانيون على مدى نحو 300 عام متصلة بتجريف ونهب كل مقومات الحياة فى مصر كما نهبوا كل خيرات البلاد لدرجة أن الحياة توقفت فى مصر خلال هذه الفترة البغيضة من التاريخ.
96 عاما مرت على انهيار الإمبراطورية العثمانية التى سقطت يوم 1 نوفمبر 1923 بإعلان تأسيس الدولة التركية الحديثة على يد مصطفى كمال الدين أتاتورك بعد 600 عام سيطر خلالها العثمانيون ولو صوريا على ما يقرب من نصف المعمورة وذلك على أطلال الخلافات الإسلامية وأوروبا الشرقية وذاقت من ظلمها الشعوب التى وقعت تحت وطأتهم.
ولم يكن شهر محرم لعام 923 هجرية الموافق يناير 1517 شهرا عاديا مر كغيره من الأشهر على أيام مصر المحروسة لكنه كان يوم نكبة وحسرة وحسب ما يقول المؤرخ المصرى محمد بن إياس فى كتابه “بدائع الزهور فى وقائع الدهور” إنه لم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه” ووصل الأمر لوصفه أنه وقع فيها مثل ما وقع من جند هولاكو فى بغداد وفى موضع آخر من الكتاب أنه “وقع فى القاهرة المصيبة العظمى التى لم يسمع بمثلها “هكذا يصف المؤرخ يوم دخول الأتراك العثمانيين أو ما يصفهم بـ “العثمانية” إلى مصر بقيادة سليم خان
ابن إياس الذى توفى عام 1523 أى بعد 6 سنوات من سقوط عاصمة الخلافة فى هذا الوقت “القاهرة” فى يد الترك وفى عز قوتهم وبطشهم لم يخف وسجل شهادته عما رأه من أهوال اقتحام وغزو العثمانيين لمصر وقد وقعت مصر تحت الاحتلال العثمانى التركي لأكثر من 300 عام ما يعتبره المؤرخون أفظع الغزوات والاحتلالات الأجنبية التى تعرضت لها مصر عبر تاريخها حيث كانت قرارات سليم الأول بنهب الحضارة المصرية وسرقة قصورها.
كما ارتكب العثمانيون مصائب كبيرة فى حق الشعب المصري من بينها الجرائم الشنيعة التى ارتكبها السلطان سليم الأول وجنوده عندما احتلوا مصر عام 1517 وطاح العثمانيون فى الحارات بالسيوف وقتلوا المصريين وقدر عدد القتلى فى هذه الواقعة من بولاق إلى الجزيرة الوسطى والصليبة بالآلاف وساءت أحوال مصر السياسية والاقتصادية وانطفأت أنوارها لتضىء الآستانة فتحولت المحروسة من دولة مستقلة يغمرها العمران إلى دولة بدائية للغاية ليس لها من التقدم نصيب وقل عدد سكان مصر من 9 ملايين مواطن إلى مليونين ونصف المليون مواطن فقط خلال قرنين من حكم العثمانيين.
وهو ما أكده الدكتور جمال شقرة – أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر – أولا هذه الدولة لم تكن لديها فلسفة لإدارة شئون الولايات التى احتلتها ولم تكن لديها سياسة أو نظام إدارى واضح المعالم لإدارة شئون هذه الولايات فقد كان هدفها الأساسى هو الحصول على أكبر قدر من الأموال بأى طريقة وحماية هذا المنبع من أى خطر سواء كان خطرا خارجيا وهو الخطر الاستعمارى أم حتى مجرد تفكير هذه الولايات فى الاستقلال والانفصال عن الدولة العثمانية وبالتالى عندما تكون هناك دولة استعمارية هدفها جمع المال فقط فهى لم تهتم بتنظيم أى أمر من أمور البلاد فمثلا تسببت سياسة الأتراك داخل مصر فى انتشار الجهل والفقر وطبعا تدهور الحالة الاقتصادية أدى إلى اختلال الأمن وزيادة عدد اللصوص وقطاع الطرق ما تسبب فى تأخر التجارة والصناعة وأهملت مرافق الزراعة وانتشر الجهل وشاع الاعتقاد فى السحر والشعوذة.
كما قل ظهور العلماء والمفكرين والأدباء بعد غلق المدارس والاتجاه إلى “تتريك” المحروسة حيث جعل الغزو العثمانى اللغة التركية هى الرسمية فى مصر وعملوا على تراجع دور الأزهر الذى اقتصر دوره على علم التشريع فقط كما اقتصرت الوظائف الإدارية داخل مصر على الأتراك فقط.
كما فرضت تركيا ضريبة سنوية على أملاك المصريين ترسل للسلطان العثمانى وسميت بضريبة “المال الأميري” بالإضافة إلى الضرائب التى كان يفرضها البكوات “المماليك” على محصول الأراضى وكانت تسمى “الكشوفية” وكثيرا ما كان يفرض الوالى على السكان ضرائب أخرى إضافية كلما احتاج إلى المال لإرضاء المحتل العثماني فتبقيه على مصر ولاية أخرى وقد وصل الفقر بأهل المحروسة خلال هذه الفترة لدرجة لم يسبق لها مثيل من قبل فى أى من العهود السابقة فصار أهل البلاد عبيدا والأتراك “البكوات” هم الأسياد إذ استولوا على جميع الأملاك وتدهورت حالة الفلاح المصرى حتى صار رثا فى ملبسه ومسكنه ومأكله ولا يكاد يفيق من دفع ضريبة شرعية أو غير شرعية حتى يطالب بدفع ضريبة أخرى و إذا امتنع عن الدفع يتم التنكيل به وتعذيبه وربما قتله.
ويتفق معه المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي-أستاذ التاريخ الحديث- قائلا: يجب أن نعرف أن العثمانيين قبائل غازية كانت تسكن شمال غرب الصين ولأنهم قبائل متنقلة وليسوا حضرا – أى لا يقيمون حضارة –كانوا دائما فى صدام مع القبائل الأخرى فى تنقلاتهم حتى وصلوا إلى آسيا الصغرى وكان هناك وقتها صراع على الحكم فى ” بيزنطة ” بين الأباطرة البيزنطيين وحدث أن استعان أحدهم بالعثمانيين لينصروه فى معركته ضد منافسيه على الحكم وكان زعيم القبيلة فى هذه الفترة اسمه “عثمان ” ومن هنا جاء لقب العثمانيين وبالفعل تحالف مع الإمبراطور البيزنطى وساعده على تحقيق النصر وهنا وجد الطريق أمامه مفتوحا حتى أوروبا الشرقية واستطاعوا السيطرة على أجزاء كبيرة منها ثم جاء الانطلاق نحو القسطنطينية عام 1453 بعد قرنين من الزمان من وجودهم فى أوروبا الشرقية وتم فتح القسطنطينية– عاصمة روما الشرقية – وتغيير اسمها إلى “إسطنبول” أو “إسلام بول” ومن هناك أصبحوا قوة سياسية فى المنطقة ثم كان التصادم مع الصفويين وانتصروا عليهم فى معركة “خان ديران” عام 1514 ثم جاءوا إلى مصر وهزموا المماليك فى معركة “مرج دابق” عام 1516 حيث اجتاحوا قوات قنصوة الغورى ثم طومان باى عام 1517 وهنا أصبحت مصر تحت الحكم العثمانى .
ولأنهم قبائل وليسوا أصحاب حضارة فهم لم يضيفوا شيئا للمجتمع المصرى وإنما عملوا على تجريده من مقوماته فى جميع المجالات فمصر وقتها كانت تشهد تقدما وتطورا حضاريا ولهذا لم تشهد مصر أى مظهر من مظاهر الحداثة طوال حكم الولاة العثمانيين حتى مجىء الفرنسيين بقيادة نابليون بونابرت إلى مصر فى يوليو 1798 سواء فى البناء الاقتصادى أو الاجتماعى ومن ثم الثقافى يجعل المجتمع يشعر بأى شىء مختلف عما كان عليه الحال من قبل ليس فى مصر وحدها وإنما فى جميع الولايات التى احتلها العثمانيون .
وأضاف د. عاصم الدسوقى: السلطان العثمانى حل محل السلطان المملوكى واستمر حكم الولاة العثمانيين حكماً سطحياً دون أن يتغلغل فى أعماق المجتمع بحيث يحدث تغييراً فى ثقافة المصريين الذين ظلوا يعيشون فى إطار تقاليدهم وثقافتهم المتوارثة لدرجة أن العثمانيين قاموا بجمع رؤساء الصناعات المهرة والمعروفين بإجادة العمل فيها من كل الطوائف والمهن فجمعوا منهم نحو خمسة آلاف صانع ونقلوهم إلى الأستانة ليذيعوا الصناعات الدقيقة فيها وكانوا السبب الرئيسى فى إقامة أهم المعالم المعمارية فى العاصمة “إسطنبول” لكن كل هذا قابله تدهور وتوقف 50 صناعة مصرية حيوية ولم تبدأ الحداثة فى مصر إلا مع حكم محمد على باشا بمقتضى التغييرات التى أحدثها فى البناء الاقتصادى والاجتماعى والثقافى.
وأكد الدكتور الدسوقى أن إحدى أهم سلبيات الدولة العثمانية هى التسهيلات التى منحتها للدول الأوروبية والتى تحولت إلى امتيازات مهّدت للهجمة الاستعمارية الشرسة.
المصدر الاهرام العربي