غالبًا ما يرافق حسّ مضخم من أيام العز الأمم التي كانت يومًا ما إمبراطوريات عظمى، فيجعل مواطنيها عرضةً للتأثّر بسهولة بأمجاد الماضي – إنما في الوقت نفسه ضحايا تلاعب يمارسه السياسيون الذين يستطيعون أن يشهدوا على هذه السردية. ولا تزال صورة رومانسية للإمبراطورية العثمانية المنهارة تحدد نظرة الأتراك إلى مكانتهم في العالم اليوم، لذا من الضروري فهم هذا الماضي لنفهم تركيا الحديثة.
عند مقارنة المقاربة التي يعتمدها الرئيس رجب طيب أردوغان إزاء الشؤون العالمية والإقليمية بالسياسات الخارجية التي انتهجها أسلافه العثمانيون والأتراك، يبدو أنها تمثّل الاستمرارية والتغيير في آنٍ. فمحاكاة الغرب تحت حكم السلاطين العثمانيين التي بدأت مطلع القرن التاسع عشر كانت مشروعًا استراتيجيًا مدفوعًا بإدراك نقاط ضعف الدولة. ومن أجل إحياء عظمة الإمبراطورية، قرر السلاطين نسخ مؤسسات حكم الدولة عن قوى عالمية أوروبية. وانتهج مصطفى كمال أتاتورك الذي أسس تركيا الحديثة عام 1923 هذا النموذج كما فعل خلفاؤه. واستمر هذا التوجه بعد الحرب العالمية الثانية حين التفّت أنقرة نحو أوروبا والولايات المتحدة. وبينما هم ينتظرون استعادة مكانتهم كقوة عظمى، غالبًا ما تحالف السلاطين الراحلون ورؤساء تركيا الأوائل مع قوى غربية – مع بريطانيا تحديدًا خلال معظم القرن التاسع عشر ضد روسيا، ومع فرنسا خلال الجزء الأكبر من الفترة التي كانت بين الحربين العالميتين ضد إيطاليا الفاشية، ومع الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ضد الاتحاد السوفييتي.
غير أن أردوغان اختار نموذجًا غير تقليدي بشكل أكبر. فهدفه جعل تركيا قوة عظيمة بمفردها وليس دولة تعتمد ببساطة على الغرب. وعليه، لم تكن سياسته الخارجية موحدّة. وعندما استلم الحكم في 2003، شعر أنه في موقف حرج بسبب المؤسسات العلمانية التركية، بما فيها الجيش. وسعى بالتالي إلى أن يكون نسخة أفضل عن أسلافه الكماليين، فروّج لسياسات دولية وموالية لأمريكا وللاتحاد الأوروبي بشكل أكبر. على سبيل المثال، شملت مبادراته الأولى محاولات لتوحيد قبرص وتطبيع العلاقات مع أرمينيا.
كيف يري الغرب اردوغان وكيف يمكن القضاء عليه
